من وعظ اخاه سرا فقد نصحه



من وعظ اخاه سرا فقد نصحه .

قال الله تعالى : { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم } سورة البقرة:235.



إن بذل النصيحة للمسلمين من إرشادهم إلى الحق المبين، وتحذيرهم من الباطل والمبطلين، يعتبر من الدين..
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم .
وفي هذا الحديث اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم  أن النصيحة هي الدين كله، وذلك لأن الدين كله نصح، فالصلاة، والصيام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبذل السلام ، وإحسان الكلام كل ذلك نصح .
 قال ابن رجب  رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث : هذا يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل عليه السلام وسمى ذلك كله ديناً .



و لا شك أن الإنسان معرض للخطأ والميل عن الحق والصواب، فقد جاء في الحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون " رواه الترمذي وابن ماجة.



ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يبصره بعيوبه وأخطائه، وأن ينصح له في أمره وشأنه، لكن ينبغي أن يكون النصح برفق وحكمة، وليحذر المسلم من احتقار أخيه واتهامه بمجرد الظن، فإن الظن أكذب الحديث، وكفى به شرا .
 قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " رواه مسلم .

فإذا سمع احد منا عن أخيه المسلم شيئا يكره فلا يبادر إلى تصديق ما يقيل عنه؛ بل يجب عليك أن تتثبت حتى تستيقنه، فإن كثيرا من الناس اعتاد إشاعة السوء بالباطل، وكثيراً منهم من إساءة الظن عنده أسرع من حسن الظن، فلا تصدق كل ما يقال، ولو سمعته مرارا حتى تسمعه ممن شاهده بعينه، ولا تصدق من شاهد الأمر بعينه حتى تتأكد من تثبته فيما شاهد، ولا تصدق من تثبت فيما شاهد حتى تتأكد من براءته من الغرض والهوى، ولذلك أمرنا الله تعالى باجتناب كثير من الظن، واعتبر بعضه إثما، فالظن ينافي العلم ولا يغني من الحق شيئا . 
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا } سورة الحجرات:12.
وقال تعالى : { وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً } سورة النجم:28.



وإذا رأى المسلم  أمرا، أو بلغه عن أخيه المؤمن كلام يحتمل وجهين فاحمله محملا حسنا، فذلك أجدر بمكارم الأخلاق وصفاء الأخوة،
 قال عمر بن الخطاب – -: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا .

وإذا رأيت أخاك المسلم قد ارتكب خطأ لا مجال فيه لعذر أو شبهة، وجب عليك أن تتقدم إليهبالنصيحة سرا، بينك وبينه لا أمام الناس، فإن الإنسان لا يقبل أن يطلع أحد على عيبه، فإذا نصحته سرا، كان ذلك أرجى للقبول، وأدل على الإخلاص لله ، وأبعد عن الشبهة.

وأما إذا نصحته علنا أمام الناس فإن في ذلك شبهة الحقد والتشهير، وإظهار الفضل والعلم، وهذه من شأنها أن تمنع من الإستماع للنصيحة والاستفادة منها .
 ولقد كان من خلق النبي صلى الله عليه وسلم  وأدبه في إنكار المنكر وتبيين الحق، أنه إذا بلغه عن أحد أو جماعة شيء مما ينكر فعله لم يذكر أسماءهم علنا، وإنما كان يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا"، فيفهم من يعنيه الأمر أنه هو المراد بالنصيحة، وهذا يعتبر من أرفع أساليب النصح والتربية.

قال الشافعي  رحمه الله : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.

وقال ابن حزم رحمه الله : وإذا نصحت فانصح سراً لا جهراً، وبتعريض لا تصريح، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك، فلا بد من التصريح

عن ابن المبارك قال : كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر , ونهاه في ستر , فيؤجر في ستره ويؤجر في نهيه , فأما اليوم فإذا رأى أحد ما يكره استغضب أخاه وهتك ستره !

و من مظاهرنصائح السلف:

يروى أن الحسن والحسين - رضي الله عنهما – رأيا رجلاً كبيراً في السن يتوضأ، وكان لا يحسن الوضوء، فأرادا تعليمه، فذهب إليه، فادعيا أنهما قد اختلفا أيهما حسن الوضوء أكثر من أخيه؟ وأرادا منه أن يحكم بينهما، فأمر أحدهما بالوضوء، ثم أمر الآخر، ثم قال لهما: أنا الذي لا أعرف الوضوء، فعلماني إياه ؟ .

أسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، وأن يرزقنا قلوباً سليمة، وألسنة صادقة، وعلما نافعا، وعملا صالحا.

من وعظ اخاه سرا فقد نصحه

0 التعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الجديده